العرفان والتصوف :
ويعتبر
العرفان من العلوم التي ولدت في حجر الثقافة الإسلامية ، ويمكن البحث في شأنه من
زاويتين، الاولى اجتماعية والثانية معرفية. فأهل العرفان إذا ذُكروا في معرض
المعرفة دُعوا بـ "العرفاء" وإذا ذُكروا في معرض
الاجتماع عرفوا بـ "المتصوفة" كما ذكره الشهيد الاستاذ مرتضى مطهّري[1] .
ولكن
البحث الدقيق في أصل العرفان أو التصوف يظهر من أن العرفاء والمتصوفة لم يُنسب لهم
أي انقسام مذهبي وكانوا حاضرين في كل المذاهب والفرق الإسلامية وشكّلوا منظومة
اجتماعية خاصة تتميز برموز وآداب معينة في المعاشرة واللباس وغيره من السلوك
العملي .
معاناة
أهل العرفان :
عانى
العرفاء الحقيقيون كثيراً على الصعيد العقائدي وعلى الصعيد السياسي وعلى الصعيد
الاجتماعي ، وذلك لأسباب أتت من مُدعي التصوف ، ولكن في حقيقة الأمر كان السبب الرئيسي عوامل سياسية استرضاءاً
للملوك والحكام ، كما كان يوجد فقهاء بلاط أيضاً هناك صوفية بلاط .
وكانت
حجتهم مستفادة من نظرية أن كل تدخل يمارسه
العلماء في الشؤون الدنيوية يؤلف خطراً على العقيدة الاسلامية ، وأرادوا من هذه
النظرية اجهاض الوظيفة السياسية للمجتهدين وتذويب مكانتهم الاجتماعية .
ولا
سيما بعدما استطاعت الحركة الصوفية أن تنتشر في ايران ، وبما أنها تنطوي على مشاعر
عامة تتصل بروح الاسلام والزهد في الحياة والانصراف إلى العبادة الروحانية العميقة
التي لا يختلف عليها اثنان ، من ثم تم استقطاب آلاف المريدين ، مما أدى هذا
الاستقطاب إلى نزاع شديد وإلى نشوب أعمال عنف بين دعاتها ومعارضيها ، حيث أن
المذهب الامامي الأصولي يرى أن المجتهد نائب الامام وهو المرشد والسائس لحياة
الناس ،وليس الصوفية ودعاتها ، أو أصولها
وطرقها التي تدعوا إلى الركون في خانات الدراويش .
الدولة
الاسلامية في أحضان العرفان:
فظهر المجدد على رأس كل مئة عام وعارف العصر
الامام الخميني ، فاستطاع
بجهاده المرير والمستمر أن يجمع بين العرفان والتصوف ، وأخرجه من الخانات إلى حيز
الفعلية السياسية ، وكساه لباس الفعلية الاسلامية الحقيقي ، ومن جهة أخرى أيضاً استطاع أن يحقّق الارتباط
العرفاني بالفقه والمجتمع البشري بكل جوانبه دون أي استثناء ، من خلال ترسيخ مفهوم
«
نظرية ولاية الفقيه العامة »التي قرّرها المحقّقون وأساطين الفقه في
مطولاتهم الاستدلالية ، حيث أنه أسس من خلال هذه المزاوجة بين العرفان والتصوف
والفقه ، الدولة الاسلامية والتمهيدية المهدوية .
هذا
كله من جهتي الصعيد السياسي والاجتماعي ، أما على الصعيدين العقائدي واللغوي أيضاً
عاني أهل العرفان كثيراً ، ممن قصرت عقولهم وأفهامهم عن إدراك المعنى الاصطلاحي لكثير
من المسائل العرفانية ، ونمثل على ذلك قول العرفاء بسقوط التكليف ، فمقصدهم
ومرادهم من هذا القول أن السالك بعدما يجتاز مراحل السير والسلوك ويصل إلى نقطة
الفيض ويلتقي بالحقيقة التي طالما كان يتضور عشقاً بها ، يسقط التكليف بينه وبينها
فلا يكن بعدها في مشقة بل في منتهى الراحة والاطمئنان .
تقريب
المطلب:
التكليف في اللغة والاصطلاح يعني ركوب المشقة كما جاء في تعاريف كتب اللغة[2] ،
فالتكليف أي المشقة لا يعدّ لها وجود أو أثر في ساحة المعشوق فتنقلب لذة ويسقط حكم
المشقة ، والكفيل بتوضيح وبيان هذه المسألة بياناً شافياً ، الدروس اللاحقة تحت
عنوان اللغة العرفانية .
أما
الجانب العقائدي فبسبب عدم استيعاب فكرة «نظرية وحدة الوجود» التي
تعتبر أس المسائل العرفانية والتي دار عليها رحى العرفان ، وسوف نعمد لبيان هذه
النظرية في الدروس اللاحقة ان شاء الله تعالى .
[1] - كتاب الاسلام وايران ص 189 .
[2] - الصحاح - الجوهري ج
4 ص 1424 : كلفه تكليفا ، أي أمره بما
يشق عليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق