(محاضرات عرفانية ألقاها الشيخ راضي حبيب على بعض الطلبة)
المرشد
قوس صعودي:
وتوضيح ذلك: أن لكل موجود من
الموجودات الخارجية الامكانية مرتبة خاصة من الظهور والوجود تتفاوت بها المراتب ،ودرجة
مخصوصة من الفعلية والحصول بحسب الوجود الخارج، وغاية القرب الأشرف للوجود الكمالي
بلا شائبة القصور والنقص المتمثل بوجود أهل البيت النبوي المعصومي عليهم السلام ،
وما سواهم فهو مصحوب بالقصور والنقص .
فكلما بعد الوجود الامكاني عن منبع فيض الوجود القربي الاشرف كان نقصه وقصوره أشد وهذا من جهة القوس النزولي، وعلى العكس من ذلك فكلما قرب من (منبع الفيض) كان كماله أشد الى أن يصل مرتبة قاب قوسين وهذا من جهة القوس الصعودي، وعلى هذا الأساس ينبغي على طالب السلوك الى الله أن يختار من هو أشد قربية الى الله حتى يكون مرجعه في سلوكه عملاً بالحديث الوارد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: "فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم" [1]. وعلى هذا المبنى والمعنى نشرع في بيان ماهي أهم الشروط المطلوبة في صفات الاستاذ المرشد في هذا الشأن كما سيأتي:
فكلما بعد الوجود الامكاني عن منبع فيض الوجود القربي الاشرف كان نقصه وقصوره أشد وهذا من جهة القوس النزولي، وعلى العكس من ذلك فكلما قرب من (منبع الفيض) كان كماله أشد الى أن يصل مرتبة قاب قوسين وهذا من جهة القوس الصعودي، وعلى هذا الأساس ينبغي على طالب السلوك الى الله أن يختار من هو أشد قربية الى الله حتى يكون مرجعه في سلوكه عملاً بالحديث الوارد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: "فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم" [1]. وعلى هذا المبنى والمعنى نشرع في بيان ماهي أهم الشروط المطلوبة في صفات الاستاذ المرشد في هذا الشأن كما سيأتي:
سمات
الشيخ الاستاذ:
وكما
أن هناك شروطا مفترضة في أستاذ فقه الجوارح بحيث لا يجوز الرجوع إليه قبل معرفة
تحققها فيه وبحيث يبطل من دونها العمل ؛ فإن الامر كذلك في فقه النفس والطب
الروحاني كما أن معرفة الاستاذ في هذا الفن أصعب وشرائطه أكثر .
الفناء في الله: أول سمة وعلامة لشخصية الشيخ الاستاذ
، أن يكون متحققاً بمقام الفناء في الله تعالى ، وفي هذا الخصوص أشار
العارف العلامة الطهراني في كتابه(رسالة السلوك) بقوله: في هذا المقام ينشرح صدر السالك وتنحلّ عقدة لسانه، فيرى الوحدة في
الكثرة، والكثرةَ في الوحدة، دون أن يحجب أحدهما الا´خر، ويكون السـالك
جامعاً لكلا النشـأتَين، وبرزخاً بين المقامَين، ويكون له آنذاك قابليّة
تعليم الناقصين، ويصبح مرشداً لضعفاء العقول والنفوس .
معرفة الشيخ بعلوم الشريعة والحقيقة: يشترط
بأن يكون الشيخ المرشد عالماً بعلوم الشريعة والطريقة والحقيقة ، وعارفاً بالعلوم
الذوقية وعارفاً بالاشارات والاصطلاحات العرفانية ، بحيث يجمع بين علم الشريعة
والحقيقة ولا يتناقض ، ويلتزم بالقيود الشرعية كتاباً وسنةً ، وقد أشار أحد
العرفاء إلى هذه المسألة بكلامه : لَوْ نَظَرْتُمْ إلى رَجُلٍ أُعْطِيَ مِنَ
الكَرَامَاتِ حَتَّي يُرْفَعَ فِي الهَوَاءِ، فَلاَ تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّي
تَنْظُرُوا كَيْفَ تَجِدُونَه عِنْدَ الاَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحِفْظِ الحُدُودِ
وَأَدَاءِ الشَّرِيعَةِ .
الموازنة بين الظاهر والباطن: فلا
يهتك حرمة الباطن ولا يضيّع حدود الظاهر ، وأن يكون حكيم بتصرفاته حيث يضع الاشياء
في موضعها الصحيح ، فلابدّ من اعطاء كل ذي حق حقه والحكيم من وضع الاشياء في
موضعها الصحيح .
وانفصال أحدهما عن الآخر يؤدي إلى الخلل والزلل في العقيدة ، والمروق من الشريعة أو الزندقة على الحقيقة ، فيؤول مصير السالك الى الكفر ، فلا بد للسالك من تلازمهما لديه ولا ريب ولا شك في كون مسلك الانبياء هو إيجاد المصالحة بين الظاهر والباطن ، بل نرى أنهم بيّنوا الحقيقة بأمثلة من الظاهر للتدليل على وحدة التلازم بينهما ، ولأن عالم المعنى لا يظهر إلا عبر القوالب الظاهرية ، فإن الظاهر قنطرة الباطن ، فلا بد من محاكاة العالم الظاهري للعالم الباطني .
وانفصال أحدهما عن الآخر يؤدي إلى الخلل والزلل في العقيدة ، والمروق من الشريعة أو الزندقة على الحقيقة ، فيؤول مصير السالك الى الكفر ، فلا بد للسالك من تلازمهما لديه ولا ريب ولا شك في كون مسلك الانبياء هو إيجاد المصالحة بين الظاهر والباطن ، بل نرى أنهم بيّنوا الحقيقة بأمثلة من الظاهر للتدليل على وحدة التلازم بينهما ، ولأن عالم المعنى لا يظهر إلا عبر القوالب الظاهرية ، فإن الظاهر قنطرة الباطن ، فلا بد من محاكاة العالم الظاهري للعالم الباطني .
حافظ وكاتم للاسرار: أن
يكون كهفاً حصيناً وملاذاً لمريديه ، فلا يفشي لهم سراً ، ويكون حرزا وخزانة
اسرارهم ، ولا يغتاب ، ولا يذكر المساوئ ويفشي الاسرار فتنفر القلوب من مصاحبته ،
ويصير تهمه بين مريديه .
لا يطلب الاجر مقابل الارشاد:
فالمريد هدية الله إلى الشيخ المرشد فلا يطمع الشيخ بالانتفاع بالمريد في أمور
دنيوية ، فإن طمعه سوف يحجب قلوب المريدين
من الاستجابة لكلامه ويكون كلامه قشرا لا لب فيه ، ولا ينبغي للمرشد أن يأمل من
الله عوضاً في تأديب المريد ، بل يؤدبه
ويربيه موافقة لله وآداء لأمره وقبولاً لهديته ، فعليه قبوله والاحسان إليه
بتربيته ، بل تربيتهم ما هي إلاّ القيام
بأمر الله سبحانه وتعالى ، فيكون قبوله له لله عزوجل لا لنفسه ، فما دام الشيخ
المرشد زاهدا في المريدين وفي انتفاعه بهم فهم لا محالة ينتفعون بكلامه .
الشفقة بالمريد: ينظر
إلى المريد بعين الشفقة فلا يحمّله ما لا طاقة له به من عزائم الأمور ، وأنما
يَبدؤه بالرفق شيئا فشيء ، فإن أنس الشيخ المرشد فيه إقبالاً وهمة ، أمره بالأشد
ثم الأشد من الأمور ، فيأمره أولاً بترك متابعة الطبع والهوى ، ثم ينتقل به من
الرخص والأمور المباحة ، إلى عزائم الامور شيئاً بعد شيء ، فيمحو من الرخص ويثبت
محلها من العزائم .
الفراسة والمعالجة:
لابد من تفرّس الشيخ المرشد في المريد ، كفراسة الطبيب في المريض ، ليتعرف على
مواطن الآفات النفسية ، وآفات النفس كثيرة ، فيدله على الرياضات الروحية التي بها
تبرأ النفس من أمراضها ، فإن كان في نفس المريد حدة وإقبال شديد على الدنيا ، حمله
على الخمود والذلة والانكسار برياضات
الصوم والسهر على العبادات ، وإن كانت نفس المريد تواقه إلى الشهرة وحب الظهور
والرياسة والتفاخر ، حمله على رياضة العزلة والخلوة والصمت ، وهكذا بقية الامور
يتعقبها الشيخ الاستاذ ليعالجها بأضدادها .
متابعة أحوال المريد:
حينما يرى الشيخ الاستاذ في المريد خروجا
من آفات النفس ، وصدقا في المجاهدة ، وعزما على ركوب طريق العروج والوصول إلى
المقامات العليا ، فحينئذٍ لا يتهاون معه في شيء ، ويأخذه بأشد الرياضات
والاختبارات ، فجدير بالشيخ المرشد أن لا يغفل عنه بالتهوين .
العناية الدقيقة ببواطن المريد: كالطبيب
الباطني الجراح الذي يعمل للمريض عملية جراحية ، فعليه أن يكون دقيقاً جدا في فتح
قنوات الباطن النورانية لاتصال الاوردة المعنوية ببعضها ، واغلاق قنوات الباطن
الظلمانية واستئصالها .
[1] ـ الحرّ العامليّ، وسائل
الشيعة، ج 27 ص 131.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق