تعريف الاعلام الديني:
في بادئ ذي بدء ينبغي للدخول في أية علم
ومن قبل القيام بمهماته التطرق الى عدة مداخل تعريفية، وانطلاقا من منهج التأليف المشهور
سوف أتسلسل في تأليفي هذا طبق المنهج المشهور في التأليف على أساس ان لكل فن أو علم
مبادئ عشرة:
إنَّ مبادي كلّ فنّ عشرة * الحد والموضوع
ثم الثمرة
ونسبةٌ وفضلُه والواضعُ * والاسمُ الاستمداد
حكم الشارع
مسائلٌ والبعض بالبعض اكتفى * ومن درى الجميع
حاز الشرفا
ولكنني سوف أوجز الكلام حول هذا التأليف بما أنه
مقدمة تمهيدية للدخول بفهم سريع إلى هذا العلم.
فالمقصود من اضافة عنوان الاعلام الى النمط الديني
يعني به انه ينطلق من مبادئ الدين الحنيف ووفق الضوابط الاخلاقية ولا يختلف أو يتخلف
عنها.
وخلاصة المعنى اللغوي لكلمة الإعلام هو
(الإخبار) أو (الانباء) من خلال نقل المعلومات إلى الآخرين.
وأما التعريف الاصطلاحي: فهو لا يختلف عن
معناه اللغوي مهما تعددت التعريفات حوله فهي بالنهاية ترتكز على معنى (الاخبار) كما
جاء في اللغة.
وهنا لابأس بأن ألمح الى نقطة جديرة بالذكر
والملاحظة العلمية،وهي انه من حاول أن يعرِّف الاعلام بلحاظ الاخبار الصحيحة المطابقة
للوقائع ونقل الحقائق بشكل موضوعي، واحترز بهذا التعريف في تحديد المعنى الاصطلاحي، أقول: فهو لم يأت بجديد
وهو تحصيل حاصل لأصل مهنة ووظيفة الاعلام بما هي هي.
والتغليظ في أمر التقييد والاحتراز في بناء
وبنية المعنى الاصطلاحي لعنوان (الاعلام) أمر ممدوح ونافع في حد ذاته، واستبعاد الاعلام
الفاسد من الدخول تحت مظلة المعنى الاصطلاحي كان لسبب ما قد أشار إليه القران الكريم
من وجود (الاعلام الفاسد) في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )[1].
نشأة تاريخ الاعلام:
نشأت ظاهرة الاعلام منذ بدء الخليقة بآدم بدليل قوله تعالى (أَنبِئُونِي) في محكم كتابه العظيم
في الآية الكريمة:(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ
فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[2]، فمنطلق الاعلام
كان مرادفاً لبدء الخلق.
أهمية الاعلام:
وأهمية الاعلام تبرز في تأثيره المباشر
والفوري على الشعوب في كافة المجالات والميادين. حتى أنه اصبح لما له من الأهمية يحتل
مرتبة (السلطة الرابعة) إلى جانب بقية مراتب السلطات الأخرى (التنفيذية والتشريعية
والقضائية) وذلك كناية عن دوره المميز والفاعل في المجتمع.
الهدف من الاعلام:
لاشك ولا ريب بأن غاية وسائل الاعلام مع
اختلافها وتنوعها هي كيفية استخلاص الخبر من أرض الحدث وشخصياته وايصاله ونقله الى
حاضنة الرأي العام، وبرأيي وحسب تجربتي هذا هو الهدف المركزي المنشود من عملية الاعلام
بدليل قوله تعالى حكاية عن الهدد ناقل الاخبار:(فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ
بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)[3].
فالاخبار أوالانباء يعتبر قلب الجسد الاعلامي،
والمعادلة هنا واضحة فمتى أخمد الخبر ضعف الاعلام واضمحل، وهذه النقطة يترتب عليها
الكلام في (حرية الاعلام)، كما سيتضح لنا في الفقرات اللاحقة.
ولكن
بالاضافة الى هذا الهدف المركزي يوجد أهداف أخرى أيضاً ومن أهمها:
أولاً: إن الهدف الأبرز من وسائل الإعلام الاصلاح
والذي يشير إليه سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في قوله:
" يجب أن يكون عموم توجّه الصحافة
نحو إصلاح الثقافة العامة، وعلى المؤسسات المختصة بشؤون التبليغ والإعلام، أن تبذل
جهودها في اتجاه إصلاح الثقافة العامة. "[4]
ثانياً: تحصين المجتمع المسلم من خلال مكافحة الغزو الثقافي، وكشف المؤامرات الشيطانية لمحو هويته.
ثالثاًً: نشر وترسيخ المعالم الاسلامية الصحيحة والوسطية
في المجتمع الاسلامي وابعاده عن الدخول في التطرف والارهاب المأجور من قبل
المخططات الصهيونية للقضاء على المجتمع الاسلامي.
ثمرة الاعلام:
ترتكز فائدة الاعلام وتناقل الاخبار على
أهم مطلب وعامل انساني وهو (التواصل الاجتماعي) لما له من الأهمية الكبرى في البعد
الاجتماعي في حياة الإنسان، وقد أشار الله تعالى بقوله:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[5]، لتعارفوا
أي لتواصلوا، فتناقل الاخبار وتبادلها بين المجتمعات الانسانية مسألة يحتمها الاقتضاء
الفطري في الانسان كونه خلق على أساس النظرية الاجتماعية (أصالة البعد العالمي).
وهذه
النظرية تؤيدها روح التعاليم الإسلامية وهي مزيج من (أصالتي
الفرد والمجتمع).
حيث أن القرآن الكريم يؤكد أنّ للمجتمع الإنساني بالإضافة إلى البعدين المذكورين بُعداً
ثالثاً، وهو ما نطلق عليه عنوان (البعد العالمي) أو (البعد الإلهي).
وخلاصة ذلك: انّ عالم الوجود لا يقف موقف
اللا مبالاة من عمل الإنسان وتصرّفاته، بل انّ عمل الإنسان وتصرفه يستدعي ردة فعل مناسبة
من قبل عالم الوجود فالعمل الصالح يستدعي ردة فعل حسنة، والسيّئ ردة فعل سيّئة، فالحسنة
تجزى بالحسنة والسيّئة بالسيّئة[6].
[1] ـ الحجرات:6.
[2] ـ البقرة:31.
[3] ـ النمل:22.
[4] ـ كتاب الاعلام ـ شبكة
المعارف الاسلامية.
[5] ـ الحجرات:13.
[6] ـ نظريات علم الاجتماع ـ آية
الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق