(محاضرات عرفانية ألقاها الشيخ راضي حبيب على بعض الطلبة)
المرشد ظاهري وباطني :
وقد دلت عليه صريح الآيات والروايات أنه يوجد مرشد متكفل أيضاً بالجهة
الباطنية يأخذ بيد السالك ويحصنه من الوقوع في المخاطر ـ التي تكون أكثر شراسة وخطورة في الجانب المعنوي والباطني للسلوك ـ بشرط أن يكون هناك عزم
وتوجه جهادي للنفس وقد أشار الله تعالى بقوله : )وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ([العنكبوت:69]، وروي
في الكافي عن الامام
قال(ع) : ( يا هشام إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما
الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة(عليهم السلام)
، وأما الباطنة فالعقول )[1]
، وأيضا هناك حديث آخر يدل بدلالة منطوقية صريحة جدا ويشير إلى وجود المرشد
الباطني في قوله(ع) :( ما
من قلب إلا وله أذنان ، على إحداهما ملك مرشد وعلى الاخرى شيطان مفتن ، هذا يأمره
وهذا يزجره ، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها ، وهو قول الله عز وجل :
" عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )[2] ، ففي
هذا الحديث دلالة صريحة في عبارة ( ملك مرشد ) على
وجود المرشد الباطني بتمام المعنى وكماله وبدليل الاية الصريحة ايضا في قوله
تعالى: (اتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [البقرة آية 282].
وهنا يوجد نقطة مهم جدا أن نذكرها حتى لا تنفتح أو تثارأبواباً للتساؤل ، وهي أننا في السابق قلنا أن السالك في بداية سيره وسلوكه يحتاج بالضرورة إلى مرشد ظاهري وعدم الاكتفاء بالمرشد الباطني كما بينّاه وأثبتناه سابقا بالأدلة الواضحة ، ولكن هذا الاثبات لا يعني من جهة أخرى أننا ننفي احتياج السالك إلى الارشاد المعنوي والباطني ، فمهمة المرشد الظاهري أن يأخذ بيد السالك في بدايات سلوكه ، ومن ثمّ يتم تسليم عصى الارشاد بيد المرشد الباطني ، فيتكفل بتربية السالك باطنياً ، وهذا الأمر تترتب آثاره على أساس وجود المرشد الظاهري أولاً .
فلا افراط ولا تفريط في القضية ، فبنحو الافراط يتم إلغاء دور المرشد الظاهري ، وبنحو التفريط يتم إلغاء دور المرشد الباطني ، فالأمر متوسط بينهما في مستوى التكامل.
قال العارف العلامة السيد الطهراني(قدس سره الشريف):
لابدّ لك أوّلاً أن تطلب الهداية من المرشد العامّ _ المرشد الظاهري
_ والهادي إلي السبل، وأن تتمسّك بأذيال المتابعة لائمّة الهدي(عليهم السلام).
وأعرِضْ عن الدنيا وحصِّل العشق .[3]
دور أهل البيت(عليهم السلام) في عملية الارشاد في كلا الجانبين :
دور أهل البيت(عليهم السلام) في عملية الارشاد في كلا الجانبين :
حتماً مقضياً لابد أن يكون الارشاد
بِكِلا جانبيه مرتبط بأهل البيت(عليهم السلام)، فلا يمكن أن نرتب نتائج صحيحة وايجابية للسير والسلوك إلاّ عندما تكون مقدمات
السير والسلوك صحيحة ، فلابد أن يكون الارشاد الظاهري مبني على الارتباط بأهل
العصمة(عليهم السلام)، وإلا سنحصل على نتائج وخيمه ويتولى الشيطان المفتن عملية الارشاد
الباطني نعوذ بالله تعالى من ابليس وجنوده ، فنحن ببركة أهل البيت(عليهم السلام)
نجتاز هذه المراحل ، كما جاء في زيارة الائمة(عليهم السلام)الجامعة قوله(عليه السلا): ( وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللهَ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ
جَهِلَ اللهَ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ، وَمَنْ تَخَلّى
مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلّى مِنَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ ) ،
ولكن في الجانب الباطني يكون الارشاد أكثر فاعلية وواقعية من الارشاد الظاهري ، وإليك هذه الرواية التي تشير صريحاً إلى هذا المعنى : ( عن أبي خديجة قال : دخلت على أبي الحسن(عليه السلام) فقال لي : إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي ، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي ، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته ، فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا ، رحم الله امرءا هم بخير فعمله أو هم بشر فارتدع عنه ، ثم قال(عليه السلام) : نحن نؤيد الروح بالطاعة لله والعمل له ) [4]،
وعلى هذا المبنى أقول: كما أشرنا في السابق بقولنا أنه بشرط وشروطها أن يكون هناك عزم وتوجه جهادي للنفس .
ولكن في الجانب الباطني يكون الارشاد أكثر فاعلية وواقعية من الارشاد الظاهري ، وإليك هذه الرواية التي تشير صريحاً إلى هذا المعنى : ( عن أبي خديجة قال : دخلت على أبي الحسن(عليه السلام) فقال لي : إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي ، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي ، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته ، فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا ، رحم الله امرءا هم بخير فعمله أو هم بشر فارتدع عنه ، ثم قال(عليه السلام) : نحن نؤيد الروح بالطاعة لله والعمل له ) [4]،
وعلى هذا المبنى أقول: كما أشرنا في السابق بقولنا أنه بشرط وشروطها أن يكون هناك عزم وتوجه جهادي للنفس .
فالإمام المعصوم(عليه السلام) هو الشخص المربّي للإنسان إلى أعلى درجة من الكمال، وآخر نقطة من ذروة التوحيد و مقام المعرفة. و لمّا كان خلقالإنسان بالحقّ، فينبغي أن يكون الإمام(عليه السلام) مرشداً و موصلاً للإنسان إلي تلك الذروة بالحقّ، و إلاّ فلا خَلاق _ امكانية _ لشخص آخر هو دون مقام المعرفة و التوحيد ودرجات القرب .
إيضاح فلسفي :
يوجد توجيه فلسفي نورده هنا
لايضاح كيفية اتحاد المعرفة بين العقول ،
فالقوة الناطقة في الانسان هي مبدأ إدراك الحقائق والشوق إلى النظر في العواقب
والتمييز بين المصالح والمفاسد ، وهي على قسمين :
1_ العقل النظري ويعني ما ينبغي
أن يعلم ويطلق عليه في الاصطلاح العرفاني العلم.
2_ العقل العملي ويعني ما ينبغي أن
يعمل ويطلق عليه في الاصطلاح العرفاني المعرفة وشرافته تتجلى باتصاله وانفعاله
بالعقل الكلي الفعّال المفارق ، وقد أشار إلى هذا المعنى الحكيم ارسطو قال : هو
العقل الذي يجرد المعاني أو الصور الكلية من لواحقها الحسية الجزئية على حين العقل
المنفعل هو الذي تنطبع فيه هذه الصور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق