(محاضرات عرفانية ألقاها الشيخ راضي حبيب على بعض الطلبة)
منازل
السير والسلوك:
قال
الله: )وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ)[1]، واصطلاحاً معنى المقامات هو
: المنازل الروحيّة التي يرتقي بها ويتنقل بينها السّالك حتى يصل إلى مقام لقاء الله
، وفي كل منزل يقف فيه فترة من الزمن مجاهدا في إطاره ، حتّى يهيّئ الله سبحانه و
تعالى له سلوك الطّريق إلى منزل آخر أعلى رتبة منه، لكي يتدرّج في السموّ الروحيّ من شريف
إلى أشرف ، و ذلك مثلا كمنزل «التوبة» الذي يمهد به إلى منزل «الورع»، و منزل «الورع»
يمهد إلى منزل «الزّهد»، و هكذا دواليك حتّى يصل الإنسان إلى منزل المحبّة، و إلى منزل
الرّضا ، و المقامات تحصل ببذل المجهود و صاحب المقام ممّكن في مقامه ، وهذه
المنازل لا بدّ لها من جهاد و تزكية، و لذلك يقولون عنها : إنّها مكتسبة إنّها
اجتهاد في الطّاعة، و مواصلة في التّسامي في تحقيق العبوديّة الحقّة للَّه سبحانه .
و
يقول «السرّاج الطوسيّ» في تعريف المقامات : المقامات مثل التوبة، والورع،
و الزهد، و الفقر، و الصّبر، و الرّضا، و التوكّل، و غير ذلك .
و
يقول «القشيري» عن المقامات : «و المقام: ما يتحقّق به العبد
بمنازلته- أي بنزوله فيه، و بما اكتسب له- من الآداب ممّا يتوصل إليه بنوع تصرّف،
و يتحقّق به بضرب تطلّب و مقاساة تكلّف .
فمقام
كلّ أحد، موضع إقامته عند ذلك، و ما هو مشتغل بالرياضة له ، و شرطه: أن لا يرتقي
من مقام إلى مقام آخر، ما لم يستوف أحكام المقام السابق عليه ، فإنّ من لا قناعة
له لا يصحّ له التوكّل، و من لا توكّل له لا يصحّ له التّسليم، و كذلك. من لا توبة
له لا تصحّ له الإنابة، و من لا ورع له لا يصحّ له الزهد .
واعلم
أنّ علماء الطريقة ذكروا منازل وعقبات للسالك، وبيّنوا طريق السير فيها.
وأنّهم اختلفوا في عدد المنازل وترتيبها، حتى تفاوتت ما بين سبعة منازل على
أقلّ الأقوال وسبعمائة على وجه المبالغة والعجز عن الحصر العددي ، وهو قول
الاكثريّة وصرّح بعضهم بأنها تبلغ سبعين ألفاً ، على حسب التفاوت
التشكيكي ، والمراد من عدد سبعة منازل ذكر
الكليات ، وعدد سبعمائة ذكر التفريعات .
وقد
عدّ منها العارف أبو اسماعيل الانصاري[2]
في كتابه « منازل السائرين» ألف مقام وقسّمها إلى عشرة أقسام وكل قسم يحتوي على عشر مقامات تعتبر أمهات
المقامات الفرعية التي تتفرع عنها ، فالألف مقام حاصلة من ضرب المئة في العشرة
أقسام كالآتي :
قسم
البدايات، ثمّ قسم الأبواب، ثمّ قسم المعاملات، ثمّ قسم الأخلاق، ثمّ قسم الأصول،
ثمّ قسم الأودية، ثمّ قسم الأحوال، ثمّ قسم الولايات، ثمّ قسم الحقائق، ثمّ قسم
النهايات .
فأمّا
قسم البدايات عشرة أبواب : اليقظة، و التوبة، و المحاسبة، و
الإنابة، و التفكّر، و التذكّر، و الاعتصام، و الفرار، و الرياضة، و السماع .
قسم
الأبواب عشرة أبواب : الحزن و الخوف و الإشفاق و الخشوع و
الإخبات و الزّهد و الورع و التبتّل و الرّجاء و الرّغبة .
قسم
المعاملات عشرة أبواب :الرّعاية و المراقبة و الحرمة و
الإخلاص و التّهذيب و الاستقامة و التّوكل و التفويض و الثقة و التّسليم .
قسم
الأخلاق عشرة أبواب : الصّبر و الرّضا و الشّكر و الحياء و
الصّدق و الإيثار و الخلق و التّواضع و الفتوّة و الانبساط .
قسم
الأصول، عشرة أبواب :القصد و العزم و الإرادة و الأدب و
اليقين و الأنس و الذّكر و الفقر و الغنى و مقام المراد .
قسم
الأودية عشرة أبواب :الإحسان و العلم و الحكمة و البصيرة
والفراسة و التّعظيم و الإلهام و السّكينة و الطمأنينة و الهمّة .
قسم
الأحوال عشرة أبواب :المحبّة و الغيرة و الشّوق و القلق
و العطش والوجد و الدّهش و الهيمان و البزق و الذّوق .
قسم
الولايات عشرة أبواب : اللّحظ و الوقت و الصّفاء و
السّرور والسرّ و النّفس و الغربة و الغرق و الغيبة و التّمكّن .
قسم
الحقائق عشرة أبواب : المكاشفة و المشاهدة و المعاينة و
الحياة والقبض و البسط و السّكر و الصّحو و الاتّصال و الانفصال .
قسم
النّهايات عشرة أبواب : المعرفة و الفناء و البقاء و
التّحقيق والتّلبيس و الوجود و التّجريد و التّفريد و الجمع و التّوحيد .
[1]- سورة الصافات آية 164 .
[2]- الإمام القدوة، الحافظ الكبير، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد
ابن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن متّ الأنصاريّ الهرويّ، مصنّف
كتاب «ذو الكلام»، و شيخ خراسان من ذرية صاحب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أبي
أيوب الأنصاريّ. مولده في سنة ستّ وتسعين و ثلاث مائة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق